لطالما كانت مصر محركًا ثقافيًا للعالم العربي، ومركزًا راسخًا للموسيقى والسينما والتلفزيون. في السنوات الأخيرة، دخل القطاع الفني فيها مرحلة جديدة من التسارع، مع زخم كبير من الإنتاجات بأنواعها، وجيل جديد من المواهب الصاعدة. يصعب تحقيق النجاح في بيئة كهذه، لكن بالنسبة ليوسف عمر، الأمر كان سهلًا.

شارك يوسف في ثلاثة مسلسلات مختلفة في موسم رمضان 2025: بدور علي في “كامل العدد ++”، وأحمد في “شارع الأعشى”، وإمام في “شباب امرأة”، وحصل على إشادة من النقاد والجمهور على حد سواء، لِما أظهره من موهبة ومرونة وتمكّن في الأعمال الثلاثة. ورغم أن شهرته زادت بعد ذلك، إلا أن رحلته بدأت قبل ذلك بكثير. يقول: “كان موسم رمضان الفائت مهمًا جدًا بالنسبة لي، لكنني كنت مشغولًا أيضًا في السنوات الثلاث الأخيرة، لأنني قررت أن أصبح ممثلًا حينها.”

لكن هذا القرار متأصل في يوسف منذ الصغر، وبالتحديد منذ أول أداء مسرحي له في الصف الرابع، وهو في التاسعة من عمره فقط، في مسرحية من إخراج والده، المخرج المسرحي محمد يوسف. بعدها بفترة وجيزة، شارك في مسرحية أخرى للأطفال زادت من تعلقه بالتمثيل. يمكننا القول أن قراءته النصوص المسرحية بدأت مع تعلّمه القراءة تقريبًا.

نشأ يوسف في أسرة فنية، فهو نجل الفنانة لبنى ونس؛ أي أن مجال التمثيل كان دائمًا في متناوله، ومع ذلك، شق يوسف طريقه باستقلالية وانضباط. حتى الآن، حين يختار نصًا أو يباشر العمل على دور ما، يبدأ العملية بمفرده. يقول لي: “يجب أن أكوّن وجهة نظري الخاصة قبل أن أجلس مع والدتي. أكون أنا والشخصية وحدنا أولًا؛ أنا والنص الذي أدرسه. بعد فترة، أبدأ في فتح نقاشات مع الناس حتى أتمكن من البناء على الأفكار التي كوّنتها. في البداية، يكون الأمر فرديًا دائمًا. أحتاج أن أشكّل وجهة نظري قبل أن يتدخّل أي شخص آخر في العملية.”

قميص بخطّين متوازيين، سروال من قماش يشبه الكوردروي باللون البيج، زينيا. مظلّة من الكشمير بتقنية الحماية الثلاثية من عوامل الطقس، لورو بيانا.

لا يستخدم كلمة “دراسة” جزافًا. كونه خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بتخصص في التمثيل والإخراج، يُعدّ يوسف ممثلًا أكاديميًا من عدة نواحٍ، ويتعامل مع الحرفة ببحث دقيق وشغف دائم للتعلم. عند الحديث عن مهنة التمثيل، يبدو طالبًا مجتهدًا يناقش واجباته المدرسية.

يقول موضحًا: “لدي مدرب لكل شخصية أؤديها. نحضّر الشخصية معًا ونكتب ملاحظات عنها. أحيانًا نخصص يومًا لمراجعة الشخصية قبل التصوير، وأحيانًا لا. عادةً ما أراجع الشخصية مسبقًا. كان هذا جزءًا من دراستي الجامعية. كنت أعمل على شخصيات متعددة وأحللها كجزء من واجباتي الدراسية.” وقد أثبتت هذه الطريقة ضرورتها عند التوفيق بين ثلاثة أدوار في موسم رمضاني واحد.

“حين أدرس دورًا، أكتب تاريخ الشخصية وتفاصيلَ عنها. أمارس تمارين التنفس والخيال لأغمر نفسي بالكامل”

يمتد هذا الانغماس إلى ما هو أبعد من العمل الداخلي. يعتمد يوسف بشكل كبير على منهج ستانسلافسكي، الذي يقوم على استحضار مشاعر وتجارب حقيقية عاشها الممثل لتعزيز المصداقية في الأداء. ووفق هذا النهج، يتفاعل يوسف مع البيئة الحاضنة للشخصية التي يؤديها، بما في ذلك طبقتها الاجتماعية وأبعادها النفسية. “عندما أؤدي دورًا، أتفاعل مع أناس بالصفات نفسها الموجودة في الشخصية. جزء من التحضير هو التعامل مع أشخاص يعكسون السمات التي تتضمنها الشخصية، لفهم الدوافع وراء تصرفاتها.”

سترة من الغاباردين الصوفي بقصّة مزدوجة الصدر، قميص من الغاباردين الصوفي مزيّن بتفصيلة الحصان، سروال من الغاباردين الصوفي الجاف، ربطة عنق صوفية، و«ميوز» بتفصيلة الحصان، غوتشي

إن فهم المنطق العاطفي يمكّنه من أداء أدوار لا تشبهه بالضرورة، مثل شخصية “الولد الشقي” في الموسم الثالث من “كامل العدد”، دون أحكام. يوضح يوسف: “لقد لعبت العديد من الشخصيات التي لم أحبها، لكن أثناء التحضير للدور أو دراسته، لا أكره الشخصية نفسها أبدًا. أحاول الاقتراب من الشخصية قدر الإمكان لفهم دوافعها. حتى لو رأى الناس الشخصية شريرة، فإنني أتواصل مع الأسباب الكامنة وراء أفعالها أثناء دراستها. قد لا أحب الأفعال عندما تظهر على الشاشة، لكنني أبقى قريبًا من نوايا الشخصية. حتى أولئك الذين نراهم ‘سيئين’، غالبًا ما يرون أنفسهم صالحين في الجوهر.”

هذا التنقيب النفسي هو ما يجذبه أكثر إلى أي دور. “أحب الأدوار ذات التركيبات النفسية المختلفة. تستهويني الشخصيات التي تجعلني أذاكر لأظهر التجربة النفسية هذه.” رغم حب يوسف منذ الصغير للتمثيل، كان يحلم أيضًا بأن يصبح ضابط شرطة، حتى أنه تقدم لكلية الشرطة ومعهد التمثيل في آنٍ معًا قبل أن يختار الاستمرار في المعهد.

إلا أن الأقدار شاءت بعد سنوات أن يرتدي يوسف بدلة ضابط شرطة في دوره بفيلم “فرقة الموت” الذي لا يزال قيد التصوير. تدور أحداث الفيلم حول فرقة ضباط تُكلف بمهمة ملاحقة زعيم عصابة “خط الصعيد”، وهو قاتل متسلسل في الأربعينيات يلعب دوره آسر ياسين. أما يوسف فيؤدّي دور أحد الضبّاط الخمسة. 

ينسجم حضور يوسف على الشاشة مع تلك الحقبة الزمنية، إذ تذكرنا ملامحه بالعصر الذهبي للسينما المصرية. يوافقني الرأي عندما أخبره بذلك. يقول: “لدي تعلق بالزمن القديم، ربما هذا هو السبب.” أفلامه المفضلة تشي بذلك أيضًا؛ “ذا جودفاذر”، “سكارفيس”، “هيت”. يملك يوسف نضجًا وحكمة تتجاوز عمره، ويعتبر التمثيل حرفةً وشغفًا، لا أضواء شهرة عابرة.

سترة رياضية من ي-3 بطبعة كاملة وثلاثة خطوط، وسروال رياضي من ي-3 من مجموعة «سبورت يونيفورم»، ذات كونسبت ستور. حذاء «ديري» من الجلد المختوم باللون البيج الفاتح، برادا

عندما سألته عن شخصيات يعتبرها “أيقونية”، تضمنت إجابته ممثلين يتعاملون مع حرفتهم كتدريب مستمرّ مدى الحياة: دانيال دي لويس، أحمد زكي، وبشكل خاص، والدته. يقول: “هي أيقونة بالنسبة لي. ليس فقط كممثلة، بل كإنسانة أيضًا. ما زلت أتعلم منها.”

من الملهم رؤية فنان شاب يتعامل مع التمثيل بهذه الجدية؛ يبحث عن الشخصيات المعقدة سعيًا لصقل الذات والموهبة، لا لاقتناص الشهرة. والشهرة، كما يبدو، لا تشغل باله. يقول: “بدأ الناس يتعرفون عليّ أكثر بعد رمضان الماضي، وهو شعور لطيف. لكن الأهم من أن تعرفك الناس، هو أن تحبك الناس. بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق بالشهرة بقدر ما يتعلق بتواصل الناس معك واهتمامهم بعملك.”

يتابع يوسف: “لم تغيرني الشهرة، وكان ذلك باجتهاد شخصي مني. ربما أغرتني هذه الأشياء حين كنت أصغر سنًا، لكن مع نضوجي، أصبحَت أقل أهمية. الأهم هو أني أقوم بما أحب، بصرف النظر عن الشهرة، فهذا هو الهدف الأساسي مما أفعل.”

يحرص يوسف على حماية حياته الشخصية، مفضلًا الخصوصية على الاستعراض، ويحتفظ بروابط وثيقة مع عائلته وأصدقاء طفولته. في معظم المقابلات، ينهال عليه الصحفيون بأسئلة عن الرومانسية، تُطرح برتابة متوقعة: ما مواصفات فتاة أحلامك؟ ما الذي تبحث عنه في العلاقات؟ هل كسرت فتاة قلبك من قبل؟ لكنه يتجنب الإجابة باستمرار، كاشفًا القليل.

عمر ماضٍ في هذه الرحلة بلا استعجال، يدفعه الفضول وحب التجربة وتقمص حيوات عديدة. حتى جلسة التصوير هذه، كانت فرصة للتعلم. “كانت رائعة حقًا بصراحة. كانت هناك أشياء جديدة، كما أن أسلوب الملابس كان جديدًا بالنسبة لي.”

مع فيلم كبير قيد الإنجاز، ورصيد كبير من الأدوار التي تُبرز مرونته وانضباطه، لا يبدو أن وتيرة يوسف ستتباطأ في أي وقت. لا يزال الشغف الذي شعر به كطفلٍ على المسرح يسكنه اليوم. يقول: “في كل دور ألعبه وكل مشهد أؤديه على المسرح، حتى في أيام الجامعة، أكتسب شيئًا وأتعلم شيئًا عن نفسي وعن الحياة بشكل عام. هذا أفضل جانب في التمثيل، والسبب الرئيسي الذي جعلني أقع في حبه، إذ تنال فرصةً لتعيش حيوات الكثير من الأشخاص المختلفين. هذا هو الجزء الأكثر متعة في التمثيل؛ فأنت لا تعيش حياتك الخاصة فحسب، بل يمكنك الاقتراب من تفاصيل حياة شخص آخر وفهم نمطها، وكيف يعيش وأين ينام. أمر ممتع بحقّ.”

أن تكون ممثلًا هو أسلوب حياة بحد ذاته؛ وشكلٌ من أشكال التعلم. تتعلم الكثير من مراقبة الناس والتعامل معهم. وكل احتكاك بالبشر يعلّمك أكثر مما قد يقدّمه أي درس نظري. الحياة نفسها هي أعظم معلم.”

بنطال شيفرون مُفصَّل، أحذية ديربي جلدية بسحّابات جانبية، فيرّاغامو. نظارات إس إل ٧٩٥ جو، سان لوران سوار لوف أنليميتيد من الذهب الأصفر، كارتييه.
سروال من الجلد الأسود، هيرميس. سترة برقبة عالية مصنوعة من كشمير بيبي فائق الخفة ومصبوغ، لورو بيانا. سوار لوف أنليميتد من الذهب الأصفر، كارتييه.

 

 

قميص من الجلد البني بسحّاب أمامي، سروال من الجلد الأسود، هيرميس. سوار لوف أنليميتد من الذهب الأصفر، خاتم لوف أنليميتد من الذهب الأصفر، كارتييه

سترة من الحرير والكشمير، قميص فيليبو سباجنا، سروال توكس، لورو بيانا
سترة من مزيج الموهير المشطوف بتدرّج لوني، حذاء أكسفورد مزخرف بمسامير، جيل ساندر. سروال من الجلد الأسود، هيرميس
معطف من الكشمير وجلد نابّا الأسود، سروال من الصوف الأسود، حذاء تشيلسي، فيندي
قميص أبيض، سروال عالي الخصر من الصوف، ربطة عنق واسعة من حرير التويل المربع، حذاء ديربي من الجلد بتقنية الربط، سان لوران. سوار لوف أنليميتد من الذهب الأصفر، كارتييه

تصوير: فلاديمير مارتي
الإدارة الإبداعية: كيفن برين
تنسيق الأزياء: لورا براون
المنتج التنفيذي: درو براون
المنتج: فاطمة مراد
مساعد الإضاءة: سكار سالاريو، تشارلي جومواد
مساعد أزياء: ثاليا ماثي
تصفيف الشعر: ماورو د. هيرنان
مقابلة مع: يوسف عمر
كتابة: سامي عبد الباقي

تم نشر هذا المقال في العدد الثامن من مجلتنا. احصل على نسختك هنا

لقراءة المقال باللغة الإنكليزية، اضغط هنا